زاوية نظر المرشدات الدينيات..حاجة وضرورة
من يزور مساجد إيطاليا أو ـ بعبارة أصح ـ قاعات العبادة في الجمعيات والمراكز الإسلامية يلاحظ غياب العنصر النسوي في حركة الوعظ والإرشاد الديني، إلا من وجود نماذج محدودة في مناطق معدودة. وهو ما يجعل النساء رائدات المساجد على هامش مجالس العلم والوعظ والارشاد "الذكوري".
وحتى مع إطلاق مبادرة وزراة الأوقاف والشؤون الإسلامية قبل ثلاث سنوات بإيفاد واعضات مع البعثات العلمية الرمضانية يبقى حظ الجاليات المغربية والإسلامية من المرشدات الزائرات ضئيل جدا
.
.
فإذا أتيح وشاركت النساء في جلسة وعظ أو محاضرة علم يعقدها عالم زائر في مناسبة من المناسبات، فلا يمكن أن نتصورها تشارك كما يشارك الرجال بالسؤال في كل أمر يخص مشاكلها الشخصية والاجتماعية والشرعية وما يستجد منها في واقع الاغتراب.
وفي المسجد، لا يمكن أن تتعدى مشاركتها أسلوب السؤال الكتابي: تخط الواحد سطرا على ورقة، هذا إذا كانت تعرف الكتابة، وتبعث بها من وراء حجاب إلى ضيف الجلسة أو المحاضرة. وإذا كانت في قاعة عمومية فمن الخلف تدلي بكلامها، وفي قاعة مختلطة ـ لن تخرج استفساراتها إلى نطاق البوح بما تكن الصدور من مشاكل تتعلق بقضايا النساء. وهكذا تبقى أسئلة النساء المهاجرات بدون جواب، كموج متلاطم لا تشقه سفن علم.
في رمضان الكريم 2007 زارت "إتحاد المسلمين بإيطاليا" أول بعثة علمية رمضانية عرفت إشراك الواعظات، وكانت أول مبادرة من نوعها تقدم عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد خمس سنوات من انطلاق برنامج تكوين الأئمة والمرشدات في المملكة المغربية. وسألت في هذا الموضوع الأستاذ محمد جناح ، وكان عضوا في البعثة، عما يمكن أن يقدمه المرشدات من جديد في ساحة الإرشاد الديني، فقال:"استطاعت المرشدات أن يعقدن صداقات مع أخواتهن المهاجرات واكتشفن مشاكل تعيشها النساء ويجدن صعوبة في البوح بها للعلماء، لكن مع دخول المرشدات حلبة الدعوة أصبحن قادرات على الحديث عن مشاكلهن والبحث عن حل لها". تثبت هذه الشهادة أن النساء المهاجرات، وفي ظل الغربة، في حاجة إلى خلق ساحة للبوح وفضاء للتواصل يؤطره وينظمه الإرشاد الديني.
إن الدفع بمسألة تكوين مرشدات دينيات في ديار الغربة يعملن إلى جانب الأئمة والوعاظ والدعاة سنة حميدة ومشروعة مادامت تدعم دور المرأة المسلمة العالمة وما دامت تدخل في إطار قول الشاعر معروف الرصافي رحمه الله:
الأم مدرسة إذا أعددتها +++ أعددت شعبا طيب الأعراق
فلا نتصور العاقل يكره لفلذة كبده الأنثى (وقد استوصى رسول صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا) أن تكون كما يحب: عالمة وداعية إلى الله وسراجا منيرا.
المرشدات الدينيات حاجة دينية ودنيوية في الشدة والرخاء وفي كل وقت وحين قبل وبعد تفجر قضايا التطرف والإرهاب. وبهذا الصدد لست مع التحليلات التي تتناول دائما موضوع المرشدات ووظيفتهن، وهو مشروع في بداياته، بجعل محاربة التطرف وأهل التعصب هو الشغل الشاغل ورغبة أصحاب مبادرة المرشدات في البلدان الإسلامية وفي وسط الجاليات في الغرب هو هزم الخصم. فذلك يجعل المنخرطات في هذا العمل النبيل يحسسن وكأنهن يوظفن في صراع. وبالتالي قد يهز ذلك من قناعتهن بعمل هو خير الأعمال، ألا وهو الدعوة في سبيل الله. ويجعل الدعوة سبيلا إلى الخصومة وليس سبيلا إلى طرح الرأي والفكر السليم. ومن تم نجعل الخصم المفترض أكثر تصلبا في مواقفه، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالحكمة والموعضة الحسنة.
وضع المرأة المسلمة سوية مع شقيقها الرجل على طريق الدعوة مطلب طبيعي وحاجة دينية ودنيوية في المجتمعات الإسلامية وفي أوساط الأقليات والجاليات المسلمة قبل حوادث الإرهاب وبعدها، فما شهدناه من إجرام الإرهاب والتطرف لم يكن إلا بفعل غياب الرجل والمرأة عن حقل الدعوة عقودا.